اثبتت عديد الدراسات الاثار السلبية لمشاهدة الاطفال للتلفاز .
هذا ما يكرره العالم البريطاني والطبيب النفساني والبيولوجي اريك سيغمان الذي راجع ولخص 35 بحثا من البحوث المختلفة التي أجراها نظراؤه من بريطانيا والولايات المتحدة في أوقات مختلفة. وكنتيجة لذلك، سمى 15 من الآثار السلبية الرئيسية على الأطفال الناجمة عن مشاهدة التلفاز، ونشر تقريرا عنها في مجلة 'بيولوجيست'. كما سبب خطابه في البرلمان البريطاني وإصدار كتابه 'التحكم بنا عن بعد'Remotely Controlled احداث ضجة كبيرة واثارة جدل بالإضافة إلى استقطاب اهتمام الرأي العام حول هذا الموضوع. لكنه في الوقت نفسه تعرض إلى هجوم عنيف من مشاهدين متطرفين اتهموه بالدجل، في حين تلقى دعما قويا من الاتحاد الوطني البريطاني للمعلمين، فضلا عن بعض الأطباء وعلماء النفس والاجتماع وغيرهم من الاختصاصيين.
في سياق ما سبق وصفه يؤكد سيغمان أن الأطفال تحت سن ثلاث سنوات يجب أن لا يحدقوا في التلفاز بتاتا (الأميركيون يعتقدون ان هذا جائز بعد بلوغ السنتين)، ومن سن ثلاث إلى خمس سنوات، وبإذن من آبائهم، يمكنهم مشاهدة برامج أطفال ذات نوعية جيدة لمدة لا تتجاوز نصف الساعة. ومن سن 5 سنوات الى 12 سنة، يصبح في الامكان زيادة وقت المشاهدة حتى ساعة واحدة في اليوم، وفي مرحلة المراهقة يسمح باضافة 30 دقيقة بحيث لا يزيد إجمالي ساعات المشاهدة عن الساعة ونصف الساعة في اليوم قبل البلوغ.
ولمعرفة ماهية هذه 'القنبلة التلفزيونية الموقوتة' التي تهدد صغار المشاهدين بكل ما ذكر من علل، ولإيضاح مخاطر الأضرار النفسية والفسيولوجية المحتملة نلقي مزيدا من الضوء حول الأسس التي بنى عليها الدكتور سيغمان ومؤيدوه استنتاجاتهم ونستعرض فيما يلي مختصرا للدراسات والبحوث السابقة والحديثة الداعمة والمؤكدة إيجابا لأطروحاتهم.
أضرار فسيولوجية
مشاهدة التلفاز تثبط من إفراز هرمون الميلاتونين، وهو هرمون أساسي ومضاد قوي للأكسدة ويلعب دورا مهما في الأداء الجيد لجهاز المناعة، كما أن له دورا في انعدام النوم والنضج الجنسي المبكر قبل أوانه.
فقد حذر باحثون مختصون من أن قضاء ساعات طويلة أمام شاشة التلفاز يعطل التوازن الهرموني عند المراهقين، ويدفع الكثير منهم إلى مرحلة البلوغ المبكر، وأن هذا الأمر قد يزيد أيضا من مخاطر الإصابة بمرض السرطان.
ووجد باحثون إيطاليون أن الأطفال الذين حرموا من مشاهدة التلفزيون لأسبوع واحد شهدوا زيادة في مستويات هرمون الميلاتونين، الذي يمنع البلوغ المبكر بحوالي 30 في المائة.
وأشار هؤلاء الباحثون إلى أن هذه الدراسة هي أول إثبات علمي على التأثير الفسيولوجي المباشر لمشاهدة التلفزيون على الصغار موضحين أن أفلام العنف والجنس تؤثر سلبا في نمو الأطفال، كما أن الأضواء الباهرة والإشعاعات المنبعثة من شاشة التلفزيون والكمبيوتر تشوش توازن الهرمونات في أجسامهم. حينئذ، تبدأ عملية التغيار الإيحائي mutation في الحمض النووي مما قد يسبب ظهور السرطان.
كما أن إصابة جهاز الحماية الطبيعية (المناعة) بالضعف تنشط أمراض القلب و الأوعية الدموية، وتتيح الفرصة للذبحة الصدرية. وكانت الدراسات السابقة قد بينت أن بعض الحيوانات تستخدم هرمون الميلاتونين في وقت التكاثر، وتغير تركيزه بما يتناسب مع البيئة المحيطة بها. أما في الإنسان فيساعد هذا الهرمون في تنظيم الساعة البيولوجية الداخلية في الجسم حيث تكون مستوياته أقل في ساعات النهار، ولكنه يرتفع إلى أعلى تركيزه في الساعة الثامنة أو التاسعة مساء، بهدف تحضير الجسم للنوم.
ولفت الخبراء الأنظار إلى أن ظاهرة البلوغ المبكر وهي ظهور بوادر البلوغ قبل السن الطبيعية (وهي سن العاشرة عند الفتيات والحادية عشرة عند الأولاد) تتزايد بصورة كبيرة في العالم الغربي، وذلك بسبب أنماط الحياة العصرية، وقضاء ساعات طويلة أمام التلفاز والكمبيوتر.
وفي دراسة قام بها فريق من مؤسسات طبية مختلفة أظهرت النتائج آثارا ضارة لمشاهدة التلفاز تؤدي الى تحفيز خطر الإصابة بمرض السكر من النوع 2 لدى البالغين. وللتقليل من خطر أيض الغلوكوز الشاذ هذا، أوصى الباحثون بالتركيز على الحد من هذا السلوك المحفز أي فترة مشاهدة التلفاز، فضلا عن زيادة النشاط البدني.
وهناك دراسة جديدة من جامعة كورنيل تقدم أدلة على وجود صلة بين التوحد ومشاهدة التلفزيون في مرحلة الطفولة المبكرة. نظريا لقد تم تشخيص التوحد لدى 1 من كل 166 طفلا، وأثبت أن أساسه وراثي و تفجره عوامل بيئية مجهولة. ووجد الباحثون أن معدلات التوحد شهدت زيادة كبيرة جدا بعد عام 1980، عندما أصبح الكيبل التلفزيوني وما شابهه من وسائل الترفيه (مثل الدي في دي) شائعا ضمن المقتنيات المنزلية للأسر. بينت الدراسة أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 3 سنوات والذين امضوا وقتا أطول في مشاهدة التلفاز هم الأكثر احتمالا للتعرض للتوحد.
كما أن الشعاع الصادر نتيجة اصطدام الإلكترونات بشاشة التلفزيون يتولد معه أشعة إكس وإذا اعتاد الإنسان الجلوس أمام التلفزيون عن قرب ولفترات طويلة فإن كمية الأشعة الممتصة تتراكم في الجسم، وللأسف فإن كثيرا من الأطفال اعتادوا على الالتصاق بالتلفزيون بحيث لا يبعدهم عنه إلا مسافة متر فقط أو أقل، لمشاهدة برامجهم المفضلة ولفترات طويلة ومن دون التحول عنه، مما يؤثر في قوة أبصارهم فنراهم بعد مدة وقد بدأوا يرتدون النظارات.
وأضرار نفسية
أكد باحثون من نيوزيلندا أنه بالنسبة للأطفال الصغار الذين يشاهدون التلفاز لأكثر من ساعتين يوميا يزداد احتمال تعرضهم لمشاكل نقص الانتباه أثناء المراهقة. قام بالدراسة كارل اريك لاندويس وزملاء من مدرسة ديوندين للطب في جامعة اوتاجو حيث نظروا في حالة 1037 من الأولاد والفتيات من مواليد 1972 و 1973، وتتبعوهم من سن 5 إلى 15 عاما. في المتوسط، كان الأطفال يشاهدون التلفاز بمعدل ساعتين يوميا عندما كانت أعمارهم بين 5 إلى 11 عاما، ولكن هذه المشاهدة بلغت في المعدل 3.13 ساعات يوميا خلال أيام العمل من سن 13 إلى 15 عاما.
إن المشاركين في الدراسة الذين كانوا يشاهدون التلفاز لأكثر من ساعتين يوميا في طفولتهم المبكرة معرضين للإصابة بمشاكل نقص الانتباه بشكل أكبر في مرحلة المراهقة، في حين وجد الباحثون كذلك أن الخطر أكبر بالنسبة لمن كانوا يشاهدون التلفاز لأكثر من 3 ساعات.
استخدم الباحثون التقنيات الإحصائية لمراقبة آثار مشكلة نقص الانتباه في الطفولة المبكرة وغيرها من العوامل التي يمكن ان تؤثر سواء على مشاهدة التلفزيون أو على مخاطر نقص الانتباه فيما بعد. ورأت أن مشاهدة التلفاز، سواء في مرحلة الطفولة المبكرة أو المراهقة، تؤثر وبشكل منفصل في زيادة خطر هذه المشاكل في سن المراهقة.
وخلصت الدراسة إلى أن الأطفال الذين تعودوا على تتبع كثير من المشاهد التي تسلب الاهتمام في برامج التلفزيون قد يجدون مواقف الحياة العادية، مثل الفصول الدراسية، مملة. بالإضافة إلى أن التلفزيون ببساطة يزاحم الوقت المستغرق للقيام بأنشطة أخرى تساعد في بناء مهارات الاهتمام والتركيز، مثل المطالعة، ولعب الألعاب. ومن المحتمل، أن أطفال اليوم يشاهدون التلفاز لفترات أكبر بكثير من هؤلاء المشاركين في الدراسة، الذين لم يكن لهو خيار سوى 2 من القنوات في أواخر السبعينات.
وأوضحت دراسة قام بها ديمتري كريستاكيس وفريقه بمستشفى الأطفال والمركز الطبي الإقليمي بمدينة سياتل والتي أجريت على 1345 طفلا أن كل ساعة يقضيها الطفل أمام التلفاز تزيد من فرص مخاطر إصابته بنقص الانتباه بمقدار 10% وأن مشاهدة التلفاز لمدة ثلاث ساعات يوميا جعلت الأطفال أكثر عرضة بمقدار 30%.
إن مخ الطفل الوليد ينمو بسرعة كبيرة خلال العامين إلى الثلاثة الأول من عمره. والأطفال الذين اعتادوا على التعرض لمستويات مرتفعة من الإثارة في مرحلة مبكرة من العمر يستمرون في توقع الحصول على مستويات الإثارة نفسها مع مرور الأعوام، مما يجعل من الصعب عليهم التكيف مع النمط الأقل بطئا للحياة والدراسة في المدرسة والواجبات المنزلية. ومن الممكن أن يعرض التلفزيون المخ في مرحلة النمو إلى مستويات غير عادية من الإثارة. ويزداد الأمر سوءا مع التغيير السريع في الصور والمشاهد والأصوات التي يعرضها التلفزيون لجذب انتباه الأطفال. وخلص البحث إلى أن الأطفال الذين يشاهدون التلفاز لفترات طويلة يشكلون النسبة الأكبر ممن يعانون من صعوبات في التركيز وتشتت في الانتباه، ومشاكل مع الذاكرة وسرعة رد الفعل.
وكثير من علماء النفس يرون أن للتلفزيون تأثير سلبي على النمو العقلي والفكري لدى الأطفال ويلقون باللوم عليه لكونه وسيلة اتصال من جانب واحد يقوم التلفزيون عن طريقها ببث ما يريده القائمون عليه من برامج وأفكار ومبادئ من جانب واحد، فيفقد الطفل القدرة على التحاور وإبداء الرأي وتبادل الأفكار، وبالتالي يفقد القدرة على الابتكار والمبادرة ومن ثم النمو الثقافي بل والنفسي أيضا حيث يسبب لهم الانطوائية.
يقلل من الابداعيؤكد الخبراء أن التلفزيون بطبعه وسيلة تؤدي إلى السلبية، لأن ما يقدمه من مواد لا تحتاج إلى أي نشاط ذهني من جانب المشاهد، كما أنها متناقضة تماما مع الأنشطة الإبداعية وتقلل من قدرة الأطفال على تعلم القراءة.
وبما أن التلفزيون قابل لأن يحل محل القراءة بسهولة، فان تنمية الدماغ لا تأخذ مجراها بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تنمية قدرات لدى الطفل ليست ذكية بما فيه الكفاية كما يود الوالدين.
ان مشاهدة التلفاز تقلل من قدرتهم على التعليم الذاتي، فأكثر برامج التلفزيون ليست تعليمية أي لا تنمي قدرات التعليم الذاتي لدى الأطفال، وحتى بالنسبة للبرامج ذات الصفة التعليمية، فإن غالبيتها تقدم كل الحلول جاهزة أي تتصف بما يسمى التعليم السلبي، ويعيق الإفراط في المشاهدة، من ثم، التحصيل التعليمي، ويضعف من بناء القدرات المعرفية والمهارات.
يشجع على العنف
تعرض الأطفال لاستشراء صنوف السلوك الاجتماعي السلبية، وعلى رأسها العنف، في برامج التلفزيون هو أخطر مضار المشاهدة الزائدة عن الحد المفيد. فمن المعروف أن التعرض الزائد للعنف يضر بالتطور العاطفي للأطفال، ولا يقتصر هذا الأثر السيئ لمشاهد العنف على البرامج، وإنما يمتد إلى المشاهد العنيفة الخاصة بالحوادث والحروب والكوارث الطبيعية التي تتخلل نشرات الأخبار. وقد جاءنا الكثير من الأخبار عن أطفال لم تتجاوز أعمارهم عشر سنوات قاموا بجرائم قتل من دون وعي لخطورة ما يقومون به بل دفعتهم رغبة في تقليد ما يشاهدونه، لذا يجب أن تكون هناك رقابة شديدة على ما يشاهده الأطفال في التلفزيون.
وقد حذرت دراسة اجتماعية شملت عينة تمثل الطلاب والطالبات الدارسين في مدارس حكومية وخاصة وتتراوح أعمارهم بين سبعة وثمانية أعوام وأعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن حول البرامج الموجهة إلى الأطفال العرب في الفضائيات العربية من آثار العنف المتلفز على شخصياتهم ومستقبلهم وعلى امن واستقرار مجتمعاتهم.
حيث أكدت الدراسة أن الطفل المشاهد للتلفاز من دون رقابة أو انتقائية يصبح اقل إحساسا بآلام الآخرين ومعاناتهم، وأكثر رهبة وخشية للمجتمع المحيط به، وأشد ميلا إلى ممارسة السلوك العدواني ويزيد استعداده لارتكاب التصرفات المؤذية. وتؤكد الدراسة أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفاز لفترات غير محددة ومن دون رقابة وانتقائية تفرز سلوكيات أبرزها السلبية والأنانية وعدم التعاون مع الآخرين وعدم الإحساس بمشاعرهم بل والسخرية منهم إلى جانب التقليد الأعمى للآخرين في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي وتطوير نمط حياة استهلاكي.
كما تؤدي مشاهدة الأطفال لبرامج التلفاز بإفراط ودون ضوابط إلى تأثيرات سلبية عليهم تتمثل بالعجز عن ضبط النفس واللجوء إلى العنف بدل التفاوض، والافتقار إلى الأمان والشعور الدائم بالخوف والقلق وترسيخ صور نمطية في عقل الطفل حول المرأة والرجل والمسنين والطفل وأصحاب المهن والمسؤولين ورجال الأمن وغيرهم إضافة إلى قتل روح الإنتاج والإبداع لدى الأطفال.
.. ويسبب السمنة
أثناء مشاهدته للتلفاز يتمرغ الطفل في السرير أو الأريكة متابعا المشاهد التلفزيونية، ويمتنع عن المشي والمشاركة في اللعب بينما يأكل بشكل ميكانيكي في الوقت نفسه مأكولات لا يعلمها إلا الله. هكذا يصبح الصغير مشلول الحركة ومتغذيا بطريقة غير صحيحة، مما يؤدي إلى تراكم الدهون: تختل عملية التبادل الغذائي ولا تحترق السعرات الحرارية، وعادة في مثل هذه التربة الخصبة يزدهر السكر وما يتبعه من مشاكل.
هذا الصندوق له تأثير سلبي على النوم (خاصة أن ضوءه الساطع يعطل عمل ساعة الجسم الداخلية)، وقلة النوم تحسن الشهية للأكل، وتمحى الاختلافات الهرمونية بين حالة الجوع والشبع. تطل علينا هنا مرة أخرى السمنة، حيث أن الإحساس بالشبع يضعف لدى الشخص الذي يركز على برنامج تلفزيوني مفضل لديه، وبذلك يكون قد تناول كميات إضافية من الأكل تؤدي به إلى السمنة أو عسر الهضم وأمراض أخرى منها زيادة نسبة الكوليسترول في الدم.
وأشار بحث جديد إلى ان الناس يأكلون أكثر عندما يتسمرون أمام شاشات التلفزيون، وكلما كان البرنامج مسليا أكلوا أكثر.
ووفقا لأبحاث جديدة أجريت في جامعة اوتاجو برئاسة الدكتور روبرت هانكوك في نيوزيلندا وجد الباحثون أن مقدار الوقت الذي يشاهد الطفل فيه التلفاز يحدد فيما إذا كان الشخص سيصاب بالسمنة أو الوزن الزائد وأن مؤشر كتلة الجسم مرتبط بدقة بعدد ساعات مشاهدة التلفاز في اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق